فصل: باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا

مساءً 2 :21
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر‏)‏ ذكر فيه حديث عدي بن حاتم من رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي، وقد تقدم البحث في ذلك في الباب الأول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ قُلْتُ إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي أَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ فَقَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ

الشرح‏:‏

حديث عدي بن حاتم من رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي، قد تقدم البحث في ذلك في الباب الأول‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي التَّصَيُّدِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما جاء في التصيد‏)‏ ‏.‏

قال ابن المنير مقصوده بهذه الترجمة التنبيه على أن الاشتغال بالصيد لمن هو عيشه به مشروع، ولمن عرض له ذلك وعيشه بغيره مباح، وأما التصيد لمجرد اللهو فهو محل الخلاف‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم البحث في ذلك في الباب الأول‏.‏

وذكر فيه أربعة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ فَقَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ

الشرح‏:‏

حديث عدي بن حاتم من رواية بيان بن عمرو عن الشعبي عنه وقد تقدم ما فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ ح و حَدَّثَنِي أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَالَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ تَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ

الشرح‏:‏

حديث أبي ثعلبة أخرجه عاليا عن أبي عاصم عن حيوة، ونازلا من رواية ابن المبارك عن حيوة وهو ابن شريح، وساقه على رواية ابن المبارك، وسيأتي لفظ أبي عاصم حيث أفرده بعد ثلاثة أبواب، وقد تقدم قبل خمسة أبواب من وجه آخر عاليا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَوْا عَلَيْهَا حَتَّى لَغِبُوا فَسَعَيْتُ عَلَيْهَا حَتَّى أَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَرِكَيْهَا أَوْ فَخِذَيْهَا فَقَبِلَهُ

الشرح‏:‏

‏"‏ أنفجنا أرنبا ‏"‏ يأتي شرحه في أواخر الذبائح حيث عقد للأرنب ترجمة مفردة، ومعنى ‏"‏ أنفجنا ‏"‏ أثرنا‏.‏

وقوله هنا ‏"‏ لغبوا ‏"‏ بغين معجمة بعد اللام أي تعبوا وزنه ومعناه، وثبت بلفظ تعبوا في رواية الكشميهني، وقوله ‏"‏بوركها ‏"‏ كذا للأكثر بالإفراد، وللكشميهني ‏"‏ بوركيها ‏"‏ بالتثنية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ ثُمَّ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطًا فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي، وتقدم شرحها مستوفى في كتاب الحج‏.‏

*3*باب التَّصَيُّدِ عَلَى الْجِبَالِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب التصيد على الجبال‏)‏ هو بالجيم جمع جبل بالتحريك‏.‏

أورد فيه حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي لقوله فيه ‏"‏ كنت رقاء على الجبال ‏"‏ وهو بتشديد القاف مهموز أي كثير الصعود عليها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَأَنَا رَجُلٌ حِلٌّ عَلَى فَرَسٍ وَكُنْتُ رَقَّاءً عَلَى الْجِبَالِ فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ النَّاسَ مُتَشَوِّفِينَ لِشَيْءٍ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ حِمَارُ وَحْشٍ فَقُلْتُ لَهُمْ مَا هَذَا قَالُوا لَا نَدْرِي قُلْتُ هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ فَقَالُوا هُوَ مَا رَأَيْتَ وَكُنْتُ نَسِيتُ سَوْطِي فَقُلْتُ لَهُمْ نَاوِلُونِي سَوْطِي فَقَالُوا لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ ضَرَبْتُ فِي أَثَرِهِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا ذَاكَ حَتَّى عَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ قُومُوا فَاحْتَمِلُوا قَالُوا لَا نَمَسُّهُ فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُهُمْ بِهِ فَأَبَى بَعْضُهُمْ وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ فَقُلْتُ لَهُمْ أَنَا أَسْتَوْقِفُ لَكُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكْتُهُ فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ لِي أَبَقِيَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ كُلُوا فَهُوَ طُعْمٌ أَطْعَمَكُمُوهُ اللَّهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرنا عمرو‏)‏ هو ابن الحارث المصري، وأبو النضر هو المدني واسمه سالم‏.‏

قوله ‏(‏وأبي صالح‏)‏ هو مولى التوأمة واسمه نبهان، ليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وقرنه بنافع مولى أبي قتادة‏.‏

وغفل الداودي فظن أن أبا صالح هذا هو ولده صالح مولى التوأمة فقال‏:‏ إنه تغير بأخرة، فمن أخذ عنه قديما مثل ابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث فهو صحيح، وذكر أبو علي الجياني أن أبا أحمد كتب على حاشية نسخته مقابل ‏"‏ وأبي صالح ‏"‏‏:‏ هذا خطأ، يعني أن الصواب عن نافع وصالح، قال‏:‏ وليس هو كما ظن، فإن الحديث محفوظ لنبهان لا لابنه صالح، وقد نبه على ذلك عبد الغني بن سعيد الحافظ، فإنه سئل عمن روى هذا الحديث فقال ‏"‏ عن صالح مولى التوأمة‏"‏، فقال‏:‏ هذا خطأ إنما هو عن نافع وأبي صالح وهو والد صالح، ولم يأت عنه غير هذا الحديث فلذلك غلط فيه‏.‏

والتوأمة ضبطت في بعض النسخ بضم المثناة حكاه عياض عن المحدثين قال‏:‏ والصواب بفتح أوله، قال‏:‏ ومنهم من ينقل حركة الهمزة فيفتح بها الواو، وحكى ابن التين التومة بوزن الحطمة ولعل هذه الضمة أصل ما حكى عن المحدثين، وقوله ‏"‏رقاء على الجبال ‏"‏ في رواية أبي صالح دون نافع مولى أبي قتادة، قال ابن المنير‏:‏ نبه بهذه الترجمة على جواز ارتكاب المشاق لمن له غرض لنفسه أو لدابته إذا كان الغرض مباحا، وأن التصيد في الجبال كهو في السهل، وأن إجراء الخيل في الوعر جائز للحاجة وليس هو من تعذيب الحيوان‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ

وَقَالَ عُمَرُ صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الطَّافِي حَلَالٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ إِلَّا مَا قَذِرْتَ مِنْهَا وَالْجِرِّيُّ لَا تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ وَقَالَ شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ وَقَالَ عَطَاءٌ أَمَّا الطَّيْرُ فَأَرَى أَنْ يَذْبَحَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ صَيْدُ الْأَنْهَارِ وَقِلَاتِ السَّيْلِ أَصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ قَالَ نَعَمْ ثُمَّ تَلَا هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَرَكِبَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ الْمَاءِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لَأَطْعَمْتُهُمْ وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ نَصْرَانِيٍّ أَوْ يَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرِي ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم‏)‏ كذا للنسفي، واقتصر الباقون على ‏(‏أحل لكم صيد البحر‏)‏ ‏.‏

قوله ‏(‏وقال عمر‏)‏ هو ابن الخطاب ‏(‏صيده ما اصطيد، وطعامه ما رمى به‏)‏ وصله المصنف في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ وعبد بن حميد من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال‏:‏ لما قدمت البحرين سألني أهلها عما قذف البحر فأمرتهم أن يأكلوه، فلما قدمت على عمر - فذكر قصة - قال فقال عمر قال الله عز وجل في كتابه ‏(‏أحل لكم صيد البحر وطعامه‏)‏ فصيده ما صيد، وطعامه ما قذف به‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال أبو بكر‏)‏ هو الصديق ‏(‏الطافي حلال‏)‏ وصله أبو بكر بن أبي شيبة والطحاوي والدار قطني من رواية عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ أشهد على أبي بكر أنه قال ‏"‏ السمكة الطافية حلال ‏"‏ زاد الطحاوي ‏"‏ لمن أراد أكله ‏"‏ وأخرجه الدار قطني وكذا عبد بن حميد والطبري منها وفي بعضها ‏"‏ أشهد على أبي بكر أنه أكل السمك الطافي على الماء ‏"‏ ا ه والطافي بغير همز من طفا يطفو إذا علا الماء ولم يرسب، وللدار قطني من وجه آخر عن ابن عباس عن أبي بكر‏:‏ إن الله ذبح لكم ما في البحر، فكلوه كله فإنه ذكي‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ طعامه ميتته إلا ما قذرت منها‏)‏ وصله الطبري من طريق أبي بكر بن حفص عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏أحل لكم صيد البحر وطعامه‏)‏ قال طعامه ميتته‏.‏

وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عباس وذكر صيد البحر‏:‏ لا تأكل منه طافيا‏.‏

في سنده الأجلح وهو لين، ويوهنه حديث ابن عباس الماضي قبله‏.‏

قوله ‏(‏والجري لا تأكله اليهود ونحن نأكله‏)‏ وصله عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس أنه سأل عن الجري فقال‏:‏ لا بأس به، إنما هو كرهته اليهود، وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري به‏.‏

وقال في روايته‏:‏ سألت ابن عباس عن الجري فقال‏:‏ لا بأس به، إنما تحرمه اليهود ونحن نأكله‏.‏

وهذا على شرط الصحيح‏.‏

وأخرج عن علي وطائفة نحوه‏.‏

والجري بفتح الجيم قال ابن التين‏:‏ وفي نسخة بالكسر وهو ضبط الصحاح وكسر الراء الثقيلة قال‏:‏ ويقال له أيضا الجريت وهو ما لا قشر له‏.‏

قال وقال ابن حبيب من المالكية‏:‏ أنا أكرهه لأنه يقال إنه من الممسوخ‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ الجريت نوع من السمك يشبه الحيات، وقيل سمك لا قشر له، ويقال له أيضا المرماهي والسلور مثله‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ هو ضرب من السمك يشبه الحيات‏.‏

وقال غيره‏:‏ نوع عريض الوسط دقيق الطرفين‏.‏

قوله ‏(‏وقال شريح صاحب النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كل شيء في البحر مذبوح‏.‏

وقال عطاء‏:‏ أما الطير فأرى أن تذبحه‏)‏ وصله المصنف في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ وابن منده في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير أنهما سمعا شريحا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ كل شيء في البحر مذبوح‏.‏

قال‏:‏ فذكرت ذلك لعطاء فقال‏:‏ أما الطير فأرى أن تذبحه‏"‏‏.‏

وأخرجه الدار قطني وأبو نعيم في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ مرفوعا من حديث شريح، والموقوف أصح‏.‏

وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخا كبيرا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم ‏"‏ وأخرج الدار قطني من حديث عبد الله بن سرجس رفعه ‏"‏ إن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم ‏"‏ وفي سنده ضعف‏.‏

والطبراني من حديث ابن عمر رفعه نحوه وسنده ضعيف أيضا‏.‏

وأخرج عبد الرزاق بسندين جيدين عن عمر ثم عن علي‏:‏ الحوت ذكي كله‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ سقط هذا التعليق من رواية أبي زيد وابن السكن والجرجاني، ووقع في رواية الأصيلي ‏"‏ وقال أبو شريح وهو وهم نبه على ذلك أبو علي الجياني وتبعه عياض وزاد‏:‏ وهو شريح بن هانئ أبو هانئ كذا قال، والصواب أنه غيره وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، وشريح بن هانئ لأبيه صحبة، وأما هو فله إدراك ولم يثبت له سماع ولا لقاء‏.‏

وأما شريح المذكور فذكره البخاري في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ وقال‏:‏ له صحبة‏.‏

وكذا قال أبو حاتم الرازي وغيره‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن جريج‏:‏ قلت لعطاء صيد الأنهار وقلات السيل أصيد بحر هو‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ثم تلا ‏(‏هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا‏)‏ وصله عبد الرزاق في التفسير عن ابن جريج بهذا سواء، وأخرجه الفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من رواية عبد المجيد بن أبي داود عن ابن جريج أتم من هذا وفيه‏:‏ وسألته عن حيتان بركة القشيري - وهي بئر عظيمة في الحرم - أتصاد‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

وسألته عن ابن الماء وأشباهه أصيد بحر أم صيد بر‏؟‏ فقال حيث يكون أكثر فهو صيد‏.‏

وقلات بكسر القاف وتخفيف اللام وآخره مثناة، ووقع في رواية الأصيلي مثلثة والصواب الأول‏:‏ جمع قلت بفتح أوله مثل بحر وبحار هو النقرة في الصخرة يستنقع فيها الماء‏.‏

قوله ‏(‏وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء، وفال الشعبي‏:‏ لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم، ولم ير الحسن بالسلحفاة بأسا‏)‏ أما قول الحسن الأول فقيل إنه ابن علي وقيل البصري؛ ويؤيد الأول أنه وقع في رواية ‏"‏ وركب الحسن عليه السلام ‏"‏ وقوله ‏"‏ على سرج من جلود ‏"‏ أي متخذ من جلود ‏"‏ كلاب الماء‏"‏، وأما قول الشعبي فالضفادع جمع ضفدع بكسر أوله وبفتح الدال وبكسرها أيضا، وحكى ضم أوله مع فتح الدال، والضفادي بغير عين لغة فيه، قال ابن التين‏.‏

لم يبين الشعبي هل تذكى أم لا‏؟‏ ومذهب مالك أنها تؤكل بغير تذكية، ومنهم من فصل بين ما مأواه الماء وغيره، وعن الحنفية ورواية عن الشافعي لا بد من التذكية، وأما قول الحسن في السلحفاة فوصله ابن أبي شيبة من طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى بأكل السلحفاة بأسا، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن قال‏:‏ لا بأس بها، كلها‏.‏

والسلحفاة بضم المهملة وفتح اللام وسكون المهملة بعدها فاء ثم ألف ثم هاء، ويجوز بدل الهاء همزة حكاه ابن سيده وهي رواية عبدوس، وحكى أيضا في ‏"‏ المحكم ‏"‏ سكون اللام وفتح الحاء، وحكى أيضا سلحفية كالأول لكن بكسر الفاء بعدها تحتانية مفتوحة‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ كل من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي‏)‏ قال الكرماني‏:‏ كذا في النسخ القديمة وفي بعضها ‏"‏ ما صاده ‏"‏ قبل لفظ نصراني‏.‏

قلت‏:‏ وهذا التعليق وصله البيهقي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ كل ما ألقى البحر وما صيد منه صاده يهودي أو نصراني أو مجوسي، قال ابن التين‏:‏ مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء، وهو كذلك عند قوم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير، وبسند آخر عن علي كراهية صيد المجوسي السمك‏.‏

قوله ‏(‏وقال أبو الدرداء في المري ذبح الخمر النينان والشمس‏)‏ قال البيضاوي‏:‏ ذبح بصيغة الفعل الماضي ونصب راء الخمر على أنه المفعول، قال‏:‏ ويروى بسكون الموحدة على الإضافة والخمر بالكسر أي تطهيرها‏.‏

قلت‏:‏ والأول هو المشهور وهذا الأثر سقط من رواية النسفي، وقد وصله إبراهيم الحربي في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ له من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء فذكره سواء، قال الحربي‏:‏ هذا مري يعمل بالشام‏:‏ يؤخذ الخمر فيجعل فيه الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير عن طعم الخمر‏.‏

وأخرج أبو بشر الدولابي في ‏"‏ الكنى ‏"‏ من طريق يونس بن ميسرة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه قال في مري النينان‏:‏ غيرته الشمس‏.‏

ولابن أبي شيبة من طريق مكحول عن أبي الدرداء‏:‏ لا بأس بالمري ذبحته النار والملح‏.‏

وهذا منقطع، وعليه اقتصر مغلطاي ومن تبعه، واعترضوا على جزم البخاري به وما عثروا على كلام الحربي، وهو مراد البخاري جزما، وله طرق أخرى أخرجها الطحاوي من طريق بشر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني‏:‏ أن أبا الدرداء كان يأكل المري الذي يجعل فيه الخمر ويقول ذبحته الشمس والملح‏.‏

وأخرجه عبد الرزاق من طريق سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس قال‏:‏ مر رجل من أصحاب أبي الدرداء بآخر - فذكر قصة في اختلافهم في المري - فأتيا أبا الدرداء فسألاه فقال‏:‏ ذبحت خمرها الشمس والملح والحيتان‏.‏

ورويناه في جزء إسحاق بن الفيض من طريق عطاء الخراساني قال‏:‏ سئل أبو الدرداء عن أكل المري فقال‏:‏ ذبحت الشمس سكر الخمر، فنحن نأكل، لا نرى به بأسا‏.‏

قال أبو موسى في ‏"‏ ذيل الغريب ‏"‏‏:‏ عبر عن قوة الملح والشمس وغلبتهما على الخمر وإزالتهما طعمها ورائحتها بالذبح، وإنما ذكر النينان دون الملح لأن المقصود من ذلك يحصل بدونه، ولم يرد أن النينان وحدها هي التي خللته‏.‏

قال‏:‏ وكان أبو الدرداء ممن يفتي بجواز تخليل الخمر فقال‏:‏ إن السمك بالآلة التي أضيفت إليه يغلب على ضراوة الخمر ويزيل شدتها، والشمس تؤثر في تخليلها فتصير حلالا‏.‏

قال‏:‏ وكان أهل الريف من الشام يعجنون المري بالخمر وربما يجعلون فيه أيضا السمك الذي يربى بالملح والأبزار مما يسمونه الصحناء، والقصد من المري هضم الطعام فيضيفونه إليه كل ثقيف أو حريف ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته‏.‏

وكان أبو الدرداء وجماعة من الصحابة يأكلون هذا المري المعمول بالخمر وأدخله البخاري في طهارة صيد البحر يريد أن السمك طاهر حلال وأن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى يصير الحرام النجس بإضافتها إليه طاهرا حلالا، وهذا رأي من يجوز تحليل الخمر، وهو قول أبي الدرداء وجماعة‏.‏

وقال ابن الأثير في ‏"‏ النهاية ‏"‏ استعار الذبح للإحلال فكأنه يقول‏:‏ كما أن الذبح يحل أكل المذبوحة دون الميتة فكذلك هذه الأشياء إذا وضعت في الخمر قامت مقام الذبح فأحلتها‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ يريد أنها حلت بالحوت المطروح فيها وطبخها بالشمس، فكان ذلك كالذكاة للحيوان‏.‏

وقال غيره معنى ذبحتها أبطلت فعلها، وذكر الحاكم في النوع العشرين من ‏"‏ علوم الحديث ‏"‏ من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه سمع عثمان بن عفان يقول‏:‏ اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث‏.‏

قال ابن شهاب‏:‏ في هذا الحديث أن لا خير في الخمر، وأنها إذا أفسدت لا خير فيها حتى يكون الله هو الذي يفسدها فيطيب حينئذ الخل‏.‏

قال ابن وهب‏:‏ وسمعت مالكا يقول سمعت ابن شهاب يسأل عن خمر جعلت في قلة وجعل معها ملح وأخلاط كثيرة ثم تجعل في الشمس حتى تعود مريا، فقال ابن شهاب‏:‏ شهدت قبيصة ينهى أن يجعل الخمر مريا إذا أخذ وهو خمر‏.‏

قلت‏:‏ وقبيصة من كبار التابعين وأبوه صحابي وولد هو في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر في الصحابة لذلك، وهذا يعارض أثر أبي الدرداء المذكور ويفسر المراد به‏.‏

والنينان بنونين الأول مكسورة بينهما تحتانية ساكنة جمع نون وهو الحوت، والمري بضم الميم وسكون الراء بعدها تحتانية، وضبط في ‏"‏ النهاية ‏"‏ تبعا للصحاح بتشديد الراء نسبة إلى المر وهو الطعم المشهور، وجزم الشيخ محيي الدين بالأول، ونقل الجواليقي في ‏"‏ لحن العامة ‏"‏ أنهم يحركون الراء والأصل بسكونها، ثم ذكر المصنف حديث جابر في قصة جيش الخبط من طريقين‏:‏ إحداهما رواية ابن جريج‏:‏ أخبرني عمرو وهو ابن دينار أنه سمع جابرا، وقد تقدم بسنده ومتنه في المغازي، وزاد هناك عن أبي الزبير عن جابر، وتقدمت مشروحة مع شرح سائر الحديث‏.‏

الطريق الثانية رواية سفيان عن عمرو بن دينار أيضا، وفيه من الزيادة ‏"‏ وكان فينا رجل نحر ثلاث جزائر ثم ثلاث جزائر ثم نهاه أبو عبيدة، وهذا الرجل هو قيس بن سعد بن عبادة كما تقدم إيضاحه في المغازي، وكان اشترى الجزر من أعرابي جهني كل جزور بوسق من تمر يوفيه إياه بالمدينة، فلما رأى عمر ذلك - وكان في ذلك الجيش - سأل أبا عبيدة أن ينهى قيسا عن النحر، فعزم عليه أبو عبيدة أن ينتهي عن ذلك فأطاعه، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك هناك أيضا‏.‏

والمراد بقوله ‏"‏ جزائر ‏"‏ جمع جزور، وفيه نظر فإن جزائر جزيرة والجزور إنما يجمع على جزر بضمتين، فلعله جمع الجمع، والغرض من إيراده هنا قصة الحوت فإنه يستفاد منها جواز أكل ميتة البحر لتصريحه في الحديث بقوله ‏"‏ فألقى البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له العنبر ‏"‏ وتقدم في المغازي أن في بعض طرقه في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه، وبهذا تتم الدلالة، وإلا فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حالة المجاعة قد يقال إنه للاضطرار، ولا سيما وفيه قول أبي عبيدة ‏"‏ ميتة ‏"‏ ثم قال ‏"‏ لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا ‏"‏ وهذه رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم، وتقدمت للمصنف في المغازي من هذا الوجه، لكن قال ‏"‏ قال أبو عبيدة كلوا ‏"‏ ولم يذكر بقيته‏.‏

وحاصل قول أبي عبيدة أنه بناه أولا على عموم تحريم الميتة، ثم تذكر تخصيص المضطر بإباحة أكلها إذا كان غير باغ ولا عاد، وهم بهذه الصفة لأنهم في سبيل الله وفي طاعة رسوله وقد تبين من آخر الحديث أن جهة كونها حلالا ليست سبب الاضطرار بل كونها من صيد البحر، ففي آخره عندهما جميعا ‏"‏ فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ كلوا رزقا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بعضو فأكله ‏"‏ فتبين لهم أنه حلال مطلقا‏.‏

وبالغ في البيان بأكله منها لأنه لم يكن مضطرا، فيستفاد منه إباحة ميتة البحر سواء مات بنفسه أو ما مات بالاصطياد، وهو قول الجمهور‏.‏

وعن الحنفية يكره، وفرقوا بين ما لفظه فمات وبين ما مات فيه من غير آفة، وتمسكوا بحديث أبي الزبير عن جابر ‏"‏ ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه ‏"‏ أخرجه أبو داود مرفوعا من رواية يحيى بن سليم الطائفي عن أبي الزبير عن جابر ثم قال‏:‏ رواه الثوري وأيوب وغيرهما عن أبي الزبير هذا الحديث موقوفا‏.‏

وقد أسند من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ سألت البخاري عنه فقال ليس بمحفوظ، ويروى عن جابر خلافه ا هـ‏.‏

ويحيى بن سليم صدوق وصفوه بسوء الحفظ‏.‏

وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ إذا حدث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدث حفظا يعرف وينكر‏.‏

وقال أبو حازم‏:‏ لم يكن بالحافظ‏.‏

وقال ابن حبان في الثقات‏:‏ كان يخطئ، وقد توبع على رفعه‏.‏

وأخرجه الدار قطني من رواية أبي أحمد الزبيري عن الثوري مرفوعا لكن قال‏:‏ خالفه وكيع وغيره فوقفوه عن الثوري وهو الصواب، وروى عن ابن أبي ذئب وإسماعيل بن أمية مرفوعا ولا يصح والصحيح موقوف، وإذا لم يصح إلا موقوفا فقد عارضه قول أبي بكر وغيره، والقياس يقتضي حله، لأنه سمك لو مات في البر لأكل بغير تذكية، ولو نضب عنه الماء أو قتلته سمكة أخرى فمات لأكل، فكذلك إذا مات وهو في البحر‏.‏

ويستفاد من قوله ‏"‏ أكلنا منه نصف شهر ‏"‏ جواز أكل اللحم ولو أنتن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكل منه بعد ذلك، واللحم لا يبقى غالبا بلا نتن في هذه المدة لا سيما في الحجاز مع شدة الحر، لكن يحتمل أن يكونوا ملحوه وقددوه فلم يدخله نتن، وقد تقدم قريبا قول النووي‏:‏ إن النهي عن أكل اللحم إذا أنتن للتنزيه إلا أن خيف منه الضرر فيحرم، وهذا الجواب على مذهبه، ولكن المالكية حملوه على التحريم مطلقا‏.‏

وهو الظاهر والله أعلم‏.‏

ويأتي في الطافي نظير ما قاله في النتن إذا خشي منه الضرر، وفيه جواز أكل حيوان البحر مطلقا لأنه لم يكن عند الصحابة نص يخص العنبر وقد أكلوا منه، كذا قال بعضهم، ويخدش فيه أنهم أولا إنما أقدموا عليه بطريق الاضطرار، ويجاب بأنهم أقدموا عليه مطلقا من حيث كونه صيد البحر ثم توقفوا من حيث كونه ميتة، فدل على إباحة الإقدام على أكل ما صيد من البحر، وبين لهم الشارع آخرا أن ميتته أيضا حلال، ولم يفرق بين طاف ولا غيره‏.‏

واحتج بعض المالكية بأنهم أقاموا يأكلون منه أياما، فلو كانوا أكلوا منه على أنه ميتة بطريق الاضطرار ما داوموا عليه، لأن المضطر إذا أكل الميتة يأكل منها بحسب الحاجة ثم ينتقل لطلب المباح غيرها، وجمع بعض العلماء بين مختلف الأخبار في ذلك بحمل النهي على كراهة التنزيه وما عدا ذلك على الجواز، ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه، وإنما اختلف فيما كان على صورة حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير والثعبان، فعند الحنفية - وهو قول الشافعية - يحرم ما عدا السمك، واحتجوا عليه بهذا الحديث، فإن الحوت المذكور لا يسمى سمكا‏.‏

وفيه نظر، فإن الخبر ورد في الحوت نصا، وعن الشافعية الحل مطلقا على الأصح المنصوص‏.‏

وهو مذهب المالكية إلا الخنزير في رواية، وحجتهم قوله تعالى ‏(‏أحل لكم صيد البحر‏)‏ وحديث ‏"‏ هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ‏"‏ أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم، وعن الشافعية ما يؤكل نظيره في البر حلال ومالا فلا، واستثنوا على الأصح ما يعيش في البحر والبر وهو نوعان‏:‏ النوع الأول ما ورد في منع أكله شيء يخصه كالضفدع، وكذا استثناه أحمد للنهي عن قتله ورد ذلك من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخرجه أبو داود والنسائي وصححه والحاكم، وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن أبي عاصم، وآخر عن عبد الله بن عمر، وأخرجه الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ وزاد‏:‏ فإن نقيقها تسبيح‏.‏

وذكر الأطباء أن الضفدع نوعان بري وبحري، فالبري يقتل آكله والبحري يضره‏.‏

ومن المستثنى أيضا التمساح لكونه يعدو بنابه‏.‏

وعند أحمد فيه رواية، ومثله القرش في البحر الملح خلافا لما أفتى به المحب الطبري، والثعبان والعقرب والسرطان والسلحفاة للاستخباث والضرر اللاحق من السم، ودنيلس قيل إن أصله السرطان فإن ثبت حرم‏.‏

النوع الثاني ما لم يرد فيه مانع فيحل لكن بشرط التذكية، كالبط وطير الماء والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في أواخر صحيح مسلم في الحديث الطويل من طريق الوليد بن عبادة بن الصامت أنهم ‏"‏ دخلوا على جابر فرأوه يصلي في ثوب ‏"‏ الحديث وفيه قصة النخامة في المسجد، وفيه أنهم خرجوا في غزاة ببطن بواط، وفيه قصة الحوض، وفيه قيام المأمومين خلف الإمام كل ذلك مطول، وفيه قال ‏"‏ سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قوت كل رجل منا تمرة كل يوم فكان يمصها وكنا نختبط بقسينا ونأكل، وسرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح ‏"‏ فذكر قصة الشجرتين اللتين التقتا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حتى تستر بهما عند قضاء الحاجة، وفيه قصة القبرين اللذين غرس في كل منهما غصنا، وفيه ‏"‏ فأتينا العسكر فقال‏:‏ يا جابر ناد الوضوء ‏"‏ فذكر القصة بطولها في نبع الماء من بين أصابعه، وفيه ‏"‏ وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فقال‏:‏ عسى الله أن يطعمكم‏.‏

فأتينا سيف البحر، فزجر البحر زجرة فألقى دابة فأورينا على شقها النار فاطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا‏"‏‏.‏

وذكر أنه دخل هو وجماعة في عينها، وذكر قصة الذي دخل تحت ضلعها ما يطأطئ رأسه وهو أعظم رجل في الركب على أعظم جمل، وظاهر سياق هذه القصة يقتضي مغايرة القصة المذكورة في هذا الباب وهي من رواية جابر أيضا، حتى قال عبد الحق في ‏"‏ الجمع بين الصحيحين ‏"‏‏:‏ هذه واقعة أخرى غير تلك، فإن هذه كانت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وما ذكره ليس بنص في ذلك لاحتمال أن تكون الفاء في قول جابر ‏"‏ فأتينا سيف البحر ‏"‏ هي الفصيحة وهي معقبة لمحذوف تقديره فأرسلنا النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي عبيدة فأتينا سيف البحر فتتحد القصتان، وهذا هو الراجح عندي، والأصل عدم التعدد‏.‏

ومما تنبه عليه هنا أيضا أن الواقدي زعم أن قصة بعث أبي عبيدة كانت في رجب سنة ثمان، وهو عندي خطأ لأن في نفس الخبر الصحيح أنهم خرجوا يترصدون عير قريش وقريش في سنة ثمان كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة، وقد نبهت على ذلك في المغازي، وجوزت أن يكون ذلك قبل الهدنة في سنة ست أو قبلها، ثم ظهر لي الآن تقوية ذلك بقول جابر في رواية مسلم هذه أنهم خرجوا في غزاة بواط وغزاة بواط كانت في السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مائتين من أصحابه يعترض عيرا لقريش فيها أمية بن خلف فبلغ بواطا، وهي بضم الموحدة جبال لجهينة مما يلي الشام، بينها وبين المدينة أربعة برد، فلم يلق أحدا فرجع، فكأنه أفرد أبا عبيدة فيمن معه يرصدون العير المذكورة‏.‏

ويؤيد تقدم أمرها ما ذكر فيها من القلة والجهد، والواقع أنهم في سنة ثمان كان حالهم اتسع بفتح خيبر وغيرها، والجهد المذكور في القصة يناسب ابتداء الأمر فيرجح ما ذكرته، والله أعلم‏.‏

*3*باب أَكْلِ الْجَرَادِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب أكل الجراد‏)‏ بفتح الجيم وتخفيف الراء معروف والواحدة جرادة والذكر والأنثى سواء كالحمامة ويقال إنه مشتق من الجرد لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده، وخلقه الجراد عجيبة فيها عشرة من الحيوانات ذكر بعضها ابن الشهرزوري في قوله‏:‏ لها فخدا بكر وساقا نعامة وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت عليها جياد الخيل بالرأس والفم قيل وفاته عين الفيل وعنق الثور وقرن الآيل وذنب الحية‏.‏

وهو صنفان طيار ووثاب، ويبيض في الصخر فيتركه حتى ييبس وينتشر فلا يمر بزرع إلا اجتاحه، وقيل‏.‏

واختلف في أصله فقيل إنه نثرة حوت فلذلك كان أكله بغير ذكاة، وهذا ورد في حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه عن أنس رفعه ‏"‏ أن الجراد نثرة حوت من البحر ‏"‏ ومن حديث أبى هريرة ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد، فجعلنا نضرب بنعالنا وأسواطنا، فقال‏:‏ كلوه فإنه من صيد البحر ‏"‏ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وسنده ضعيف، ولو صح لكان فيه حجة لمن قال لا جزاء فيه إذا قتله المحرم، وجمهور العلماء على خلافه، قال ابن المنذر‏:‏ لم يقل لا جزاء فيه غير أبي سعيد الخدري وعروة بن الزبير، واختلف عن كعب الأحبار، وإذا ثبت فيه الجزاء دل على أنه بري‏.‏

وقد أجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية إلا أن المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته‏.‏

واختلفوا في صفتها فقيل بقطع رأسه وقيل إن وقع في قدر أو نار حل‏.‏

وقال ابن وهب أخذه ذكاته، ووافق مطرف منهم الجمهور في أنه لا يفتقر إلى ذكاته لحديث ابن عمر ‏"‏ أحلت لنا ميتتان ودمان‏:‏ السمك والجراد والكبد والطحال ‏"‏ أخرجه أحمد والدار قطني مرفوعا وقال إن الموقوف أصح، ورجح البيهقي أيضا الموقوف إلا أنه قال إن له حكم الرفع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ قَالَ سُفْيَانُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى سَبْعَ غَزَوَاتٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أبي يعفور‏)‏ بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء هو العبدي، واسمه وقدان وقيل واقد‏.‏

وقال مسلم اسمه واقد ولقبه وقدان، وهو الأكبر، وأبو يعفور الأصغر اسمه عبد الرحمن بن عبيد، وكلاهما ثقة من أهل الكوفة، وليس للأكبر في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الصلاة في أبواب الركوع من صفة الصلاة، وقد ذكرت كلام النووي فيه وجزمه بأنه الأصغر وأن الصواب أنه الأكبر، وبذلك جزم الكلاباذي وغيره والنووي تبع في ذلك ابن العربي وغيره والذي يرجح كلام الكلاباذي جزم الترمذي بعد تخريجه بأن راوي حديث الجراد هو الذي اسمه واقد ويقال وقدان وهذا هو الأكبر، ويؤيده أيضا أن ابن أبي حاتم جزم في ترجمة الأصغر بأنه لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى‏.‏

قوله ‏(‏سبع غزوات أو ستا‏)‏ كذا للأكثر ولا إشكال فيه، ووقع في رواية النسفي ‏"‏ أو ست ‏"‏ بغير تنوين، ووقع في ‏"‏ توضيح ابن مالك، سبع غزوات أو ثماني ‏"‏ وتكلم عليه فقال‏:‏ الأجود أن يقال سبع غزوات أو ثمانية بالتنوين لأن لفظ ثمان وإن كان كلفظ جوار في أن ثالث حروفه ألف بعدها حرفان ثانيهما ياء فهو يخالفه في أن جواري جمع وثمانية ليس بجمع واللفظ بهما في الرفع والجر سواء، ولكن تنوين ثمان تنوين صرف وتنوين جوار تنوين عوض، وإنما يفترقان بالنصب‏.‏

واستمر يتكلم على ذلك ثم قال‏:‏ وفي ذكره له بلا تنوين ثلاثة أوجه أجودها أن يكون حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف، ومثله قول الشاعر خمس ذود أو ست عوضت منها البيت‏.‏

الوجه الثاني أن يكون المنصوب كتب بغير ألف على لغة ربيعة، وذكر وجها آخر يختص بالثمان، ولم أره في شيء من طرق الحديث لا في البخاري ولا في غيره بلفظ ثمان، فما أدري كيف وقع هذا‏.‏

وهذا الشك في عدد الغزوات من شعبة، وقد أخرجه مسلم من رواية شعبة بالشك أيضا؛ والنسائي من روايته بلفظ الست من غير شك، والترمذي من طريق غندر عن شعبة فقال ‏"‏ غزوات ‏"‏ ولم يذكر عددا‏.‏

قوله ‏(‏وكنا نأكل معه الجراد‏)‏ يحتمل أن يريد بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد، ويحتمل أن يريد مع أكله، ويدل على الثاني أنه وقع في رواية أبي نعيم في الطب ‏"‏ ويأكل معنا ‏"‏ وهذا إن صح يرد على الصيمري من الشافعية في زعمه أنه صلى الله عليه وسلم عافه كما عاف الضب‏.‏

ثم وقفت على مستند الصيمري وهو ما أخرجه أبو داود من حديث سلمان ‏"‏ سئل صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال‏:‏ لا آكله ولا أحرمه ‏"‏ والصواب مرسل، ولابن عدي في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال‏:‏ لا آكله ولا أحرمه، وسئل عن الجراد فقال مثل ذلك ‏"‏ وهذا ليس ثابتا لأن ثابتا قال فيه النسائي ليس بثقة، ونقل النووي الإجماع على حل أكل الجراد، لكن فصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد الأندلس فقال في جراد الأندلس‏:‏ لا يؤكل لأنه ضرر محض‏.‏

وهذا إن ثبت أنه يضر أكله بأن يكون فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وقال سفيان‏)‏ هو الثوري وقد وصله الدارمي عن محمد بن يوسف وهو الفريابي عن سفيان وهو الثوري ولفظه ‏"‏ غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد ‏"‏ وكذا أخرجه الترمذي من وجه آخر عن الثوري وأفاد أن سفيان بن عيينة روى هذا الحديث أيضا عن أبي يعفور لكن قال ‏"‏ ست غزوات‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وكذا أخرجه أحمد بن حنبل عن ابن عيينة جازما بالست‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ كذا قال ابن عيينة ست وقال غيره سبع‏.‏

قلت‏:‏ ودلت رواية شعبة على أن شيخهم كان يشك فيحمل على أنه جزم مرة بالسبع ثم لما طرأ عليه الشك صار يجزم بالست لأنه المتيقن، ويؤيد هذا الحمل أن سماع سفيان بن عيينة عنه متأخر دون الثوري ومن ذكر معه، ولكن وقع عند ابن حبان من رواية أبي الوليد شيخ البخاري فيه ‏"‏ سبعا أو ستا، يشك شعبة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وأبو عوانة‏)‏ وصله مسلم عن أبي كامل عنه ولفظه مثل الثوري، وذكره البزار من رواية يحيى بن حماد عن أبي عوانة فقال مرة عن أبي يعفور ومرة عن الشيباني، وأشار إلى ترجيح كونه عن أبي يعفور، وهو كذلك كما تقدم صريحا أنه عند أبي داود‏.‏

قوله ‏(‏وإسرائيل‏)‏ وصله الطبراني من طريق عبد الله بن رجاء عنه ولفظه ‏"‏ سبع غزوات فكنا نأكل معه الجراد‏"‏‏.‏

*3*باب آنِيَةِ الْمَجُوسِ وَالْمَيْتَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب آنية المجوس‏)‏ قال ابن التين‏:‏ كذا ترجم وأتى بحديث أبي ثعلبة وفيه ذكر أهل الكتاب فلعله يرى أنهم أهل كتاب‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ ترجم للمجوس والأحاديث في أهل الكتاب لأنه بنى على أن المحذور منهما واحد وهو عدم توقيهم النجاسات‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ أو حكمه على أحدهما بالقياس على الآخر، أو باعتبار أن المجوس يزعمون أنهم أهل كتاب‏.‏

قلت‏:‏ وأحسن من ذلك أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث منصوصا على المجوس، فعند الترمذي من طريق أخرى عن أبي ثعلبة ‏"‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس، فقال‏:‏ أنقوها غسلا واطبخوا فيها ‏"‏ وفي لفظ من وجه آخر عن أبى ثعلبة ‏"‏ قلت إنا نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فلا تجد غير آنيتهم، الحديث، وهذه طريقة يكثر منها البخاري فما كان في سنده مقال يترجم به ثم يورد في الباب ما يؤخذ الحكم منه بطريق الإلحاق ونحوه، والحكم في آنية المجوس لا يختلف مع الحكم في آنية أهل الكتاب لأن العلة إن كانت لكونهم تحل ذبائحهم كأهل الكتاب فلا إشكال، أو لا تحل كما سيأتي البحث فيه بعد أبواب فتكون الآنية التي يطبخون فيها ذبائحهم ويغرقون قد تنجست بملاقاة الميتة، فأهل الكتاب كذلك باعتبار أنهم لا يتدينون باجتناب النجاسة وبأنهم يطبخون فيها الخنزير ويضعون فيها الخمر وغيرها، ويؤيد الثاني ما أخرجه أبو داود والبزار عن جابر ‏"‏ كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين فنستمتع بها فلا يعيب ذلك علينا ‏"‏ لفظ أبي داود‏.‏

وفي رواية البزار ‏"‏ فنغسلها ونأكل فيها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏والميتة‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ نبه بذكر الميتة على أن الحمير لما كانت محرمة لم تؤثر فيها الذكاة فكانت ميتة، ولذلك أمر بغسل الآنية منها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ أَهْلِ كِتَابٍ فَلَا تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ إِلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا بُدًّا فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي ثعلبة عن أبي عاصم عاليا وساقه على لفظه، وقد تقدم شرحه قبل

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ لَمَّا أَمْسَوْا يَوْمَ فَتَحُوا خَيْبَرَ أَوْقَدُوا النِّيرَانَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَامَ أَوْقَدْتُمْ هَذِهِ النِّيرَانَ قَالُوا لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ قَالَ أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا وَاكْسِرُوا قُدُورَهَا فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقَالَ نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذَاكَ

الشرح‏:‏

حديث سلمة بن الأكوع في الحمر الأهلية أورده عاليا وهو من ثلاثياته، وسيأتي شرحه بعد ثلاثة عشر بابا‏.‏

*3*باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَالنَّاسِي لَا يُسَمَّى فَاسِقًا وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب التسمية على الذبيحة ومن تركه متعمدا‏)‏ كذا للجميع ووقع في بعض الشروح هنا ‏"‏ كتاب الذبائح ‏"‏ وهو خطأ لأنه ترجم أولا كتاب الصيد والذبائح أو كتاب الذبائح والصيد فلا يحتاج إلى تكرار، وأشار بقوله متعمدا إلى ترجيح التفرقة بين المتعمد لترك التسمية فلا تخل تذكيته ومن نسي فتحل، لأنه استظهر لذلك بقول ابن عباس وبما ذكر بعده من قوله تعالى ‏(‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏)‏ ثم قال ‏"‏ والناسي لا يسمى فاسقا ‏"‏ يشير إلى قوله تعالى الآية ‏(‏وإنه لفسق‏)‏ فاستنبط منها أن الوصف للعامد فيختص الحكم به، والتفرقة بين الناسي والعامد في الذبيحة قول أحمد وطائفة وقواه الغزالي في ‏"‏ الإحياء ‏"‏ محتجا بأن ظاهر الآية الإيجاب مطلقا وكذلك الأخبار، وأن الأخبار الدالة على الرخصة تحتمل التعميم وتحتمل الاختصاص بالناسي فكان حمله عليه أولى لتجري الأدلة كلها على ظاهرها ويعذر الناسي دون العامد‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ من نسي فلا بأس‏)‏ وصله الدار قطني من طريق شعبة عن مغيرة عن إبراهيم في المسلم يذبح وينسى التسمية قال‏:‏ لا بأس به‏.‏

وبه عن شعبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء حدثني ‏(‏ع‏)‏ عن ابن عباس أنه لم ير به بأسا‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عيينة بهذا الإسناد فقال في سنده عن ‏(‏ع‏)‏ يعني عكرمة عن ابن عباس فيمن ذبح ونسي التسمية فقال‏:‏ المسلم فيه اسم الله وإن لم يذكر التسمية، وسنده صحيح، وهو موقوف‏.‏

وذكره مالك بلاغا عن ابن عباس، وأخرجه الدار قطني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا‏.‏

وأما قول المصنف وقوله تعالى ‏(‏وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم‏)‏ فكأنه يشير بذلك إلى الزجر عن الاحتجاج لجواز ترك التسمية بتأويل الآية وحملها على غير ظاهرها لئلا يكون ذلك من وسوسة الشيطان ليصد عن ذكر الله تعالى، وكأنه لمح بما أخرجه أبو داود وابن ماجه والطبري بسند صحيح عن ابن عباس في قوله ‏(‏وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم‏)‏ قال ‏"‏ كانوا يقولون ما ذكر عليه اسم الله فلا تأكلوه وما لم يذكر عليه اسم الله فكلوه، قال الله تعالى‏:‏ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ‏"‏ وأخرج أبو داود والطبري أيضا من وجه آخر عن ابن عباس قال ‏"‏ جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ تأكل مما قتلنا ولا تأكل مما قتله الله‏؟‏ فنزلت‏:‏ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه إلى آخر الآية‏.‏

وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه وساق إلى قوله ‏(‏لمشركون‏)‏ إن أطعتموهم فيما نهيتكم عنه، ومن طريق معمر عن قتادة في هذه الآية ‏(‏وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم‏)‏ قال جادلهم المشركون في الذبيحة فذكر نحوه، ومن طريق أسباط عن السدي نحوه، ومن طريق ابن جريج قلت لعطاء‏:‏ ما قوله ‏(‏فكلوا مما ذكر اسم الله عليه‏)‏ ‏؟‏ قال‏:‏ يأمركم بذكر اسمه على الطعام والشراب والذبح، قلت‏:‏ فما قوله ‏(‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏)‏ قال ينهي عن ذبائح كانت في الجاهلية على الأوثان‏.‏

قال الطبري‏:‏ من قال إن ما ذبحه المسلم فنسى أن يذكر اسم الله عليه لا يحل فهو قول بعيد من الصواب لشذوذه وخروجه عما عليه الجماعة، قال‏:‏ وأما قوله ‏(‏وإنه لفسق‏)‏ فإنه يعني أن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة وما أهل به لغير الله فسق، ولم يحك الطبري عن أحد خلاف ذلك‏.‏

وقد استشكل بعض المتأخرين كون قوله ‏(‏وإنه لفسق‏)‏ منسوقا على ما قبله، لأن الجملة الأولى طلبية وهذه خبرية وهذا غير سائغ، ورد هذا القول بأن سيبويه ومن تبعه من المحققين يجيزون ذلك، ولهم شواهد كثيرة، وادعى المانع أن الجملة مستأنفة، ومنهم من قال الجملة حالية أي لا تأكلوه والحال أنه فسق أي لا تأكلوه في حال كونه فسقا، والمراد بالفسق قد بين في قوله تعالى في الآية الأخرى ‏(‏أو فسقا أهل لغير الله به‏)‏ فرجع الزجر إلى النهي عن أكل ما ذبح لغير الله، فليست الآية صريحة في فسق من أكل ما ذبح بغير تسمية ا هـ، ولعل هذا القدر هو الذي حذرت منه الآية، وقد نوزع المذكور فيما حمل عليه الآية ومنع ما ادعاه من كون الآية مجملة والأخرى مبينة لأن ثم شروطا ليست هنا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَدُفِعَ إِلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا قَالَ وَقَالَ جَدِّي إِنَّا لَنَرْجُو أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ فَقَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن سعيد بن مسروق‏)‏ هو الثوري والد سفيان، ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه‏.‏

قوله ‏(‏عن عباية‏)‏ بفتح المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف تحتانية‏.‏

قوله ‏(‏عن جده رافع بن خديج‏)‏ كذا قال أكثر أصحاب سعيد بن مسروق عنه كما سيأتي في آخر كتاب الصيد والذبائح‏.‏

وقال أبو الأحوص ‏"‏ عن سعيد عن عباية عن أبيه عن جده ‏"‏ وليس لرفاعة بن رافع ذكر في كتب الأقدمين ممن صنف في الرجال، وإنما ذكروا ولده عباية بن رفاعة‏.‏

نعم ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال‏:‏ إنه يكنى أبا خديج، وتابع أبا الأحوص على زيادته في الإسناد حسان بن إبراهيم الكرماني عن سعيد بن مسروق أخرجه البيهقي من طريقه، وهكذا رواه ليث بن أبي سليم عن أبي سليم عن عباية عن أبيه عن جده، قاله الدار قطني في ‏"‏ العلل‏"‏، قال‏:‏ وكذا قال مبارك بن سعيد الثوري عن أبيه، وتعقب بأن الطبراني أخرجه من طريق مبارك فلم يقل في الإسناد عن أبيه، فلعله اختلف على المبارك فيه فإن الدار قطني لا يتكلم في هذا الفن جزافا، ورواية ليث بن أبي سليم عند الطبراني، وقد أغفل الدار قطني ذكر طريق حسان بن إبراهيم، قال الجياني‏:‏ روى البخاري حديث رافع من طريق أبي الأحوص فقال ‏"‏ عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رافع عن أبيه عن جده ‏"‏ هكذا عند أكثر الرواة، وسقط قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ في رواية أبي علي بن السكن عند الفربري وحده وأظنه من إصلاح ابن السكن فإن ابن أبي شيبة أخرجه عن أبي الأحوص بإثبات قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ ثم قال أبو بكر‏:‏ لم يقل أحد في هذا السند عن أبيه غير أبي الأحوص ا هـ‏.‏

وقد قدمت في ‏"‏ باب التسمية على الذبيحة ‏"‏ ذكر من تابع أبا الأحوص على ذلك‏.‏

ثم نقل الجياني عن عبد الغني بن سعيد حافظ مصر أنه قال‏:‏ خرج البخاري هذا الحديث عن مسدد عن أبي الأحوص على الصواب، يعني بإسقاط ‏"‏ عن أبيه‏"‏، قال‏:‏ وهو أصل يعمل به من بعد البخاري إذا وقع في الحديث خطأ لا يعول عليه، قال‏:‏ وإنما يحسن هذا في النقص دون الزيادة فيحذف الخطأ، قال الجياني‏:‏ وإنما تكلم عبد الغني على ما وقع في رواية ابن السكن ظنا منه أنه من عمل البخاري، وليس كذلك لما بينا أن الأكثر رووه عن البخاري بإثبات قوله ‏"‏ عن أبيه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة‏)‏ زاد سفيان الثوري عن أبيه ‏"‏ من تهامة ‏"‏ تقدمت في الشركة، وذو الحليفة هذا مكان غير ميقات المدينة، لأن الميقات في طريق الذاهب من المدينة ومن الشام إلى مكة، وهذه بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة، كذا جزم به أبو بكر الحازمي وياقوت، ووقع للقابسي أنها الميقات المشهور وكذا ذكر النووي قالوا‏:‏ وكان ذلك عند رجوعهم من الطائف سنة ثمان‏.‏

وتهامة اسم لكل ما نزل من بلاد الحجاز، سميت بذلت من التهم بفتح المثناة والهاء وهو شدة الحر وركود الريح وقيل تغير الهواء‏.‏

قوله ‏(‏فأصاب الناس جوع‏)‏ كأن الصحابي قال هذا ممهدا لعذرهم في ذبحهم الإبل والغنم التي أصابوا‏.‏

قوله ‏(‏فأصبنا إبلا وغنما‏)‏ في رواية أبي الأحوص ‏"‏ وتقدم سرعان الناس فأصابوا من المغانم ‏"‏ ووقع في رواية الثوري الآتية بعد أبواب ‏"‏ فأصبنا نهب إبل وغنم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس‏)‏ أخريات جمع أخرى‏.‏

وفي رواية أبي الأحوص ‏"‏ في آخر الناس‏"‏، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك صونا للعسكر وحفظا، لأنه لو تقدمهم لخشي أن ينقطع الضعيف منهم دونه، وكان حرصهم على مرافقته شديدا فيلزم من سيره في مقام الساقة صون الضعفاء لوجود من يتأخر معه قصدا من الأقوياء‏.‏

قوله ‏(‏فعجلوا فنصبوا القدور‏)‏ يعني من الجوع الذي كان بهم، فاستعجلوا فذبحوا الذي غنموه ووضعوه في القدور، ووقع في رواية داود بن عيسى عن سعيد بن مسروق ‏"‏ فانطلق ناس من سرعان الناس فذبحوا ونصبوا قدورهم قبل أن يقسم ‏"‏ وقد تقدم في الشركة من رواية علي بن الحكم عن أبي عوانة ‏"‏ فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور ‏"‏ وفي رواية الثوري ‏"‏ فأغلوا القدور ‏"‏ أي أوقدوا النار تحتها حتى غلت‏.‏

وفي رواية زائدة عن عمر بن سعيد عند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج على مسلم ‏"‏ وساق مسلم إسنادها ‏"‏ فعجل أولهم فذبحوا ونصبوا القدور‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فدفع النبي صلى الله عليه وسلم إليهم‏)‏ دفع بضم أوله على البناء للمجهول، والمعنى أنه وصل إليهم، ووقع في رواية زائدة عن سعيد بن مسروق ‏"‏ فانتهى إليهم ‏"‏ أخرجه الطبراني‏.‏

قوله ‏(‏فأمر بالقدور فأكفئت‏)‏ بضم الهمزة وسكون الكاف أي قلبت وأفرغ ما فيها، وقد اختلف في هذا المكان في شيئين‏:‏ أحدهما سبب الإراقة، والثاني هل أتلف اللحم أم لا‏؟‏ فأما الأول فقال عياض‏:‏ كانوا انتهوا إلى دار الإسلام والمحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة إلا بعد القسمة، وأن محل جواز ذلك قبل القسمة إنما هو ما داموا دار الحرب، قال‏:‏ ويحتمل أن سبب ذلك كونهم انتهبوها، ولم يأخذوها باعتدال وعلى قدر الحاجة‏.‏

قال‏:‏ وقد وقع في حديث آخر ما يدل لذلك، يشير إلى ما أخرجه أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه وله صحبة عن رجل من الأنصار قال ‏"‏ أصاب الناس مجاعة شديدة وجهد فأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي بها إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب، ثم قال‏:‏ إن النهبة ليست بأحل من الميتة ‏"‏ ا ه‏.‏

وهذا يدل على أنه عملهم من أجل استعجالهم بنقيض قصدهم كما عومل القاتل بمنع الميراث‏.‏

وأما الثاني فقال النووي‏:‏ المأمور به من إراقة القدور إنما هو إتلاف المرق عقوبة لهم، وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم، ولا يظن أنه أمر بإتلافه مع أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال وهذا من مال الغانمين، وأيضا فالجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة فإن منهم من لم يطبخ ومنهم المستحقون للخمس فإن قيل لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم قلنا‏:‏ ولم ينقل أنهم أحرقوه أو أتلفوه، فيجب تأويله على وفق القواعد ا هـ‏.‏

ويرد عليه حديث أبي داود فإنه جيد الإسناد وترك تسمية الصحابي لا يضر، ورجال الإسناد على شرط مسلم، ولا يقال لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه لإمكان تداركه بالغسل، لأن السياق يشعر بأنه أريد المبالغة في الزجر عن ذلك الفعل، فلو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك لم يكن فيه كبير زجر، لأن الذي يخص الواحد منهم نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وحاجتهم إليها وشهوتهم لها أبلغ في الزجر‏.‏

وأبعد المهلب فقال‏:‏ إنما عاقبهم لأنهم استعجلوا وتركوه في آخر القوم متعرضا لمن يقصده من عدو ونحوه، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم كان مختارا لذلك كما تقدم تقريره، ولا معنى للحمل على الظن مع ورود النص بالسبب‏.‏

وقال الإسماعيلي‏:‏ أمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور يجوز أن يكون من أجل أن ذبح من لا يملك الشيء كله لا يكون مذكيا، ويجوز أن يكون من أجل أنهم تعجلوا إلى الاختصاص بالشيء دون بقية من يستحقه من قبل أن يقسم ويخرج منه الخمس، فعاقبهم بالمنع من تناول ما سبقوا إليه زجرا لهم عن معاودة مثله، ثم رجح الثاني وزيف الأول بأنه لو كان كذلك لم يحل أكل البعير الناد الذي رماه أحدهم بسهم، إذ لم يأذن لهم الكل في رميه، مع أن رميه ذكاة له كما نص عليه في نفس حديث الباب ا هـ ملخصا‏.‏

وقد جنح البخاري إلى المعنى الأول وترجم عليه كما سيأتي في أواخر أبواب الأضاحي، ويمكن الجواب عما ألزمه به الإسماعيلي من قصة البعير بأن يكون الرامي رمى بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم والجماعة فأقروه، فدل سكوتهم على رضاهم بخلاف ما ذبحه أولئك قبل أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، فافترقا، والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير‏)‏ في رواية‏.‏

وهذا محمول على أن هذا كان قيمة الغنم إذ ذاك، فلعل الإبل كانت قليلة أو نفيسة والغنم كانت كثيرة أو هزيلة بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه، ولا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي من أن البعير يجزئ عن سبع شياه، لأن ذلك هو الغالب في قيمة الشاة والبعير المعتدلين، وأما هذه القسمة فكانت واقعة عين فيحتمل أن يكون التعديل لما ذكر من نفاسة الإبل دون الغنم، وحديث جابر عند مسلم صريح في الحكم حيث قال فيه ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة ‏"‏ والبدنة تطلق على الناقة والبقرة، وأما حديث ابن عباس ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة تسعة وفي البدنة عشرة ‏"‏ فحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وعضده بحديث رافع بن خديج هذا‏.‏

والذي يتحرر في هذا أن الأصل أن البعير بسبعة ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك، وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك‏.‏

ثم الذي يظهر من القسمة المذكورة أنها وقعت فيما عدا ما طبخ وأريق من الإبل والغنم التي كانوا غنموها، ويحتمل - إن كانت الواقعة تعددت - أن تكون القصة التي ذكرها ابن عباس أتلف فيها اللحم لكونه كان قطع للطبخ والقصة التي في حديث رافع طبخت الشياه صحاحا مثلا فلما أريق مرقها ضمت إلى المغنم لتقسم ثم يطبخها من وقعت في سهمه، ولعل هذا هو النكتة في انحطاط قيمة الشياه عن العادة، والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏فند‏)‏ بفتح النون وتشديد الدال أي هرب نافرا‏.‏

قوله ‏(‏منها‏)‏ أي من الإبل المقسومة‏.‏

قوله ‏(‏وكان في القوم خيل يسيرة‏)‏ فيه تمهيد لعذرهم في كون البعير الذي ند أتعبهم ولم يقدروا على تحصيله، فكأنه يقول‏:‏ لو كان فيهم خيول كثيرة لأمكنهم أن يحيطوا به فيأخذوه‏.‏

ووقع في رواية أبي الأحوص ‏"‏ ولم يكن معهم خيل ‏"‏ أي كثيرة أو شديدة الجري، فيكون النفي لصفة في الخيل لا لأصل الخيل جمعا بين الروايتين‏.‏

قوله ‏(‏فطلبوه فأعياهم‏)‏ أي أتعبهم ولم يقدروا على تحصيله‏.‏

قوله ‏(‏فأهوى إليه رجل‏)‏ أي قصد نحوه ورماه، ولم أقف على اسم هذا الرامي‏.‏

قوله ‏(‏فحبسه الله‏)‏ أي أصابه السهم فوقف‏.‏

قوله ‏(‏إن لهذه البهائم‏)‏ في رواية الثوري وشعبة المذكورتين بعد ‏"‏ إن لهذه الإبل ‏"‏ قال بعض شراح المصابيح‏:‏ هذه ‏"‏ اللام ‏"‏ تفيد معنى ‏"‏ من ‏"‏ لأن البعضية تستفاد من اسم إن لكونه نكرة‏.‏

قوله ‏(‏أوابد‏)‏ جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة أي غريبة، يقال جاء فلان بآبدة أي بكلمة أو فعلة منفرة، يقال أبدت بفتح الموحدة تأبد بضمها ويجوز الكسر أبودا، ويقال تأبدت أي توحشت، والمراد أن لها توحشا‏.‏

قوله ‏(‏فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا‏)‏ في رواية الثوري ‏"‏ فما غلبكم منها ‏"‏ وفي رواية أبي الأحوص ‏"‏ فما فعل منها هذا فافعلوا مثل هذا ‏"‏ زاد عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه ‏"‏ فاصنعوا به ذلك وكلوه ‏"‏ أخرجه الطبراني، وفيه جواز أكل ما رمى بالسهم فجرح في أي موضع كان من جسده، بشرط أن يكون وحشيا أو متوحشا، وسيأتي البحث فيه بعد ثمانية أبواب‏.‏

قوله ‏(‏وقال جدي‏)‏ زاد عبد الرزاق عن الثوري في روايته ‏"‏ يا رسول الله ‏"‏ وهذا صورته مرسل، فإن عباية ابن رفاعة لم يدرك زمان القول، وظاهر سائر الروايات أن عباية نقل ذلك عن جده، ففي رواية شعبة عن جده أنه قال ‏"‏ يا رسول الله ‏"‏ وفي رواية عمر بن عبيد الآتية أيضا ‏"‏ قال قلت يا رسول الله ‏"‏ وفي رواية أبي الأحوص ‏"‏ قلت يا رسول الله‏.‏

قوله ‏(‏إنا لنرجو أو نخاف‏)‏ هو شك من الراوي، وفي التعبير بالرجاء إشارة إلى حرصهم على لقاء العدو لما يرجونه من فضل الشهادة أو الغنيمة، وبالخوف إشارة إلى أنهم لا يحبون أن يهجم عليهم العدو بغتة، ووقع في رواية أبي الأحوص ‏"‏ إنا نلقى العدو غدا ‏"‏ بالجزم، ولعله عرف ذلك بخبر من صدقه أو بالقرائن‏.‏

وفي رواية يزيد ابن هارون عن الثوري عند أبي نعيم في المستخرج على مسلم ‏"‏ إنا نلقى العدو غدا وإنا نرجو ‏"‏ كذا بحذف متعلق الرجاء، ولعل مراده الغنيمة‏.‏

قوله ‏(‏وليست معنا مدى‏)‏ بضم أوله - مخفف مقصور - جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية وهي السكين، سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان أي عمره، والرابط بين قوله ‏"‏ نلقى العدو وليست معنا مدى ‏"‏ يحتمل أن يكون مراده أنهم إذا لقوا العدو صاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه، ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه، ويؤيده ما تقدم من قسمة الغنم والإبل بينهم فكان معهم ما يذبحونه، وكرهوا أن يذبحوا بسيوفهم لئلا يضر ذلك بحدها والحاجة ماسة له‏.‏

فسأل عن الذي يجزئ في الذبح غير السكين والسيف، وهذا وجه الحصر في المدية والقصب ونحوه مع إمكان ما في معنى المدية وهو السيف‏.‏

وقد وقع في حديث غير هذا ‏"‏ إنكم لاقو العدو غدا والفطر أقوى لكم ‏"‏ فندبهم إلى الفطر ليتقووا‏.‏

قوله ‏(‏أفنذبح بالقصب‏)‏ ‏؟‏ يأتي البحث فيه بعد بابين‏.‏

قوله ‏(‏ما أنهر الدم‏)‏ أي أساله وصبه بكثرة، شبه بجري الماء في النهر‏.‏

قال عياض‏:‏ هذا هو المشهور في الروايات بالراء، وذكره أبو ذر الخشني بالزاي وقال‏:‏ النهر بمعنى الرفع وهو غريب، و ‏"‏ ما ‏"‏ موصولة في موضع رفع بالابتداء وخبرها ‏"‏ فكلوا ‏"‏ والتقدير ما أنهر الدم فهو حلال فكلوا، ويحتمل أن تكون شرطية، ووقع في رواية أبي إسحاق عن الثوري ‏"‏ كل ما أنهر الدم ذكاة ‏"‏ و ‏"‏ ما ‏"‏ في هذا موصوفة‏.‏

قوله ‏(‏وذكر اسم الله‏)‏ هكذا وقع هنا، وكذا هو عند مسلم بحذف قوله ‏"‏ عليه ‏"‏ وثبتت هذه اللفظة في هذا الحديث عند المصنف في الشركة، وكلام النووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ يوهم أنها ليست في البخاري إذ قال‏:‏ هكذا هو في النسخ كلها يعني من مسلم وفيه محذوف أي ذكر اسم الله عليه أو معه، ووقع في رواية أبي داود وغيره ‏"‏ وذكر اسم الله عليه ‏"‏ ا هـ فكأنه لما لم يرها في الذبائح من البخاري أيضا عزاها لأبي داود، إذ لو استحضرها من البخاري ما عدل عن التصريح بذكرها فيه اشتراط التسمية، لأنه علق الإذن بمجموع الأمرين وهما الإنهار والتسمية، والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما، وقد تقدم البحث في اشتراط التسمية أول الباب، ويأتي أيضا قريبا‏.‏

قوله ‏(‏ليس السن والظفر‏)‏ بالنصب على الاستثناء بليس، ويجوز الرفع أي ليس السن والظفر مباحا أو مجزئا‏.‏

ووقع في رواية أبي الأحوص ‏"‏ ما لم يكن سن أو ظفر ‏"‏ وفي رواية عمر بن عبيد ‏"‏ غير السن والظفر‏"‏‏.‏

وفي رواية داود بن عيسى ‏"‏ إلا سنا أو ظفرا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وسأحدثكم عن ذلك‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ وسأخبركم ‏"‏ وسيأتي البحث فيه وهل هو من جملة المرفوع أو مدرج في ‏"‏ باب إذا أصاب قوم غنيمة ‏"‏ قبيل كتاب الأضاحي‏.‏

قوله ‏(‏أما السن فعظم‏)‏ قال البيضاوي‏:‏ هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم، والتقدير أما السن فعظم، وكل عظم لا يحل الذبح به، وطوى النتيجة لدلالة الاستثناء عليها‏.‏

وقال ابن الصلاح في ‏"‏ مشكل الوسيط ‏"‏ هذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان قد قرر كون الذكاة لا تحصل بالعظم فلذلك اقتصر على قوله ‏"‏ فعظم‏"‏، قال‏:‏ ولم أر بعد البحث من نقل للمنع من الذبح بالعظم معنى يعقل، وكذا وقع في كلام ابن عبد السلام‏.‏

‏.‏

وقال النووي‏:‏ معنى الحديث لا تذبحوا بالعظام فإنها تنجس بالدم وقد نهيتكم عن تنجيسها لأنها زاد إخوانكم من الجن ا هـ، وهو محتمل ولا يقال كان يمكن تطهيرها بعد الذبح بها لأن الاستنجاء بها كذلك، وقد تقرر أنه لا يجزئ‏.‏

وقال ابن الجوزي في ‏"‏ المشكل ‏"‏‏:‏ هذا يدل على أن الذبح بالعظم كان معهودا عندهم أنه لا يجزئ، وقررهم الشارع على ذلك وأشار إليه هنا‏.‏

قلت‏:‏ وسأذكر بعد بابين من حديث حذيفة ما يصلح أن يكون مستندا لذلك إن ثبت‏.‏

قوله ‏(‏وأما الظفر فمدى الحبشة‏)‏ أي وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم، قاله ابن الصلاح وتبعه النووي‏:‏ وقيل نهى عنهما لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان، ولا يقع به غالبا إلا الخنق الذي ليس هو على صورة الذبح، وقد قالوا‏:‏ إن الحبشة تدمي مذابح الشاة بالظفر حتى تزهق نفسها خنقا‏.‏

واعترض على التعليل الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار، وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبيه لضعفها، ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وشبهها كما سيأتي واضحا، ثم وجدت في ‏"‏ المعرفة للبيهقي ‏"‏ من رواية حرملة عن الشافعي أنه حمل الظفر في هذا الحديث على النوع الذي يدخل في البخور فقال‏:‏ معقول في الحديث أن السن إنما يذكى بها إذا كانت منتزعة، فأما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة، يعني فدل على أن المراد بالسن السن المنتزعة وهذا بخلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المنفصلة قال‏:‏ وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قال في السن، لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة وهو لا يفري فيكون في معنى الخنق‏.‏

وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم تحريم التصرف في الأموال المشتركة من غير إذن ولو قلت ولو وقع الاحتياج إليها، وفيه انقياد الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حتى في ترك ما بهم إليه الحاجة الشديدة‏.‏

وفيه أن للإمام عقوبة الرعية بما فيه إتلاف منفعة ونحوها إذا غلبت المصلحة الشرعية، وأن قسمة الغنيمة يجوز فيها التعديل والتقويم، ولا يشترط قسمة كل شيء منها على حدة، وأن ما توحش من المستأنس يعطي حكم المتوحش وبالعكس، وجواز الذبح بما يحصل المقصود سواء كان حديدا أم لا، وجواز عقر الحيوان الناد لمن عجز عن ذبحه كالصيد البري والمتوحش من الإنسي ويكون جميع أجزائه مذبحا فإذا أصيب فمات من الإصابة حل، أما المقدور عليه فلا يباح إلا بالذبح أو النحر إجماعا‏.‏

وفيه التنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء دمها فيها‏.‏

وفيه منع الذبح بالسن والظفر متصلا كان أو منفصلا طاهرا كان أو متنجسا، وفرق الحنفية بين السن والظفر المتصلين فخصوا المنع بهما وأجازوه بالمنفصلين، وفرقوا بأن المتصل يصير في معنى الخنق والمنفصل في معنى الحجر، وجزم ابن دقيق العيد بحمل الحديث على المتصلين ثم قال‏:‏ واستدل به قوم على منع الذبح بالعظم مطلقا لقوله ‏"‏ أما السن فعظم ‏"‏ فعلل منع الذبح به لكونه عظما، والحكم يعم بعموم علته، وقد جاء عن مالك في هذه المسألة أربع روايات ثالثها يجوز بالعظم دون السن مطلقا رابعها يجوز بهما مطلقا حكاها ابن المنذر، وحكى الطحاوي الجواز مطلقا عن قوم، واحتجوا بقوله في حديث عدي بن حاتم ‏"‏ أمر الدم بما شئت ‏"‏ أخرجه أبو داود، لكن عمومه مخصوص بالنهي الوارد صحيحا في حديث رافع عملا بالحديثين، وسلك الطحاوي طريقا آخر فاحتج لمذهبه بعموم حديث عدي قال‏:‏ والاستثناء في حديث رافع يقتضي تخصيص هذا العموم، لكنه في المنزوعين غير محقق وفي غير المنزوعين محقق من حيث النظر، وأيضا فالذبح بالمتصلين يشبه الخنق وبالمنزوعين يشبه الآلة المستقلة من حجر وخشب‏.‏

والله أعلم‏.‏